مارك ألموند (مؤلف بريطاني ومحاضر سابق في التاريخ الحديث في كلية أورييل بجامعة أكسفورد):
على الرغم من الأخطار التي تشكلها الأسلحة النووية، أظهرت الحروب كيف يمكن أن تكون الأسلحة التقليدية مدمرة بصورة مروعة للمدنيين، في حين أن السلاح النووي، أو بالأحرى، التهديد باستخدام القدرة النووية، ساعد في كثير من الطرق على ردع التصعيد العسكري، وبالتالي حفظ السلام. ونأمل ألا يتم استخدامه أبداً.


عندما فاز هنري كيسنجر بجائزة نوبل للسلام في العام 1973، أعلن توم ليرر تقاعده لأن عبثية الواقع جعلت المفارقة السوريالية زائدة على حدها.
لذلك، سيرحب الأشخاص من أصحاب النوايا الحسنة بمنح جائزة السلام للعام 2024 للمجموعة اليابانية، نيهون هيدانكيو، التي أسسها الناجون من القنبلتين الذريتين في هيروشيما وناغازاكي في العام 1945، الذين يحذرون من أهوال الحرب النووية ويروجون لنزع السلاح.
ويمكن لنا أن نكون على ثقة بأنهم لن يحذوا حذو بعض السياسيين ممن حصلوا أخيراً على جائزة نوبل للسلام، والذين اعتبروا في كثير من الأحيان أنها أضفت شيئاً من القدسية عليهم وعلى طموحاتهم السياسية، بما في ذلك استخدامهم القوة.
ألا تذكرون الطريقة التي سوغ بها الخطيب المفوه، باراك أوباما، في كلمة ألقاها في أوسلو بعد حصوله على جائزة نوبل، لجوء الولايات المتحدة إلى استخدام القوة بهدف ما وصفه بأنه الدفاع عن قيمها وفرض هذه القيم، قبل قصف ليبيا مباشرة؟
وبالإضافة إلى ذلك، منذ فترة قريبة، أصبح رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، في عداد الحائزين جائزة نوبل للسلام، في حين كانت بلاده الشاسعة والمعقدة على وشك الانزلاق إلى حرب أهلية بين مكوناتها العرقية.
ودعونا نتغاضَ عن ذكر أولئك الذين نالوا الجائزة في الشرق الأوسط.
لقد أزهقت أرواح كثيرة في خضم الحروب “التقليدية” التي خيضت منذ العام 1945، إلى درجة أن هناك عجزاً يثير الشكوك على المستوى الأخلاقي، يتمثل في التركيز على خطر نهاية العالم، التي لم تحدث بعد، بينما تُترك المجازر اليومية لتتواصل كما تشاء.
حتى أن التجربة ما تزال تكذب تحذير ألبرت أينشتاين الشهير (وإن كان شبه الملفق) من أنه إذا تم استعمال أسلحة نووية في حرب عالمية ثالثة، فيمكننا عندئذ أن نكون على ثقة بأن القتال في الحرب الرابعة سيكون بالعصي والحجارة.
عندما اشتبك مقاتلو القوتين النوويتين؛ الهند والصين، في حزيران (يونيو) 2020، على طول حدودهما المتنازع عليها في جبال الهيمالايا، ضبط الجنود أنفسهم إلى حد أنهم لم يستخدموا أي سلاح آخر ضد بعضهما بعضاً سوى الهراوات والحجارة التي تراشقوا بها.
كانت الحاجة إلى تجنب تصعيد للتوتر يفضي إلى استعمال سلاح نووي قد منعت كلاً من بكين ونيودلهي من خوض حرب حدودية مريرة على شاكلة تلك التي دارت بينهما في المناطق القاحلة الجليدية في العام 1962، عندما لم تكن أي منهما تملك القنبلة النووية.
وعلى الجانب الغربي للهند، يظل إحلال السلام في كشمير احتمالاً بعيد المنال، في حين يتلقى الثوار المسلمون الدعم من باكستان التي تملك أسلحة نووية. وقد خاضت الهند وباكستان ثلاث حروب خطرة بين العامين 1947 و1971، عندما لم تكن أي منهما تملك قنبلة نووية، إلا أنهما استطاعتا الاستمرار في احتواء تنافسهما تحت عتبة الحرب النووية منذ أن حاز كلاهما أسلحة نووية بعد العام 1998.
وحتى نظام كوريا الشمالية لم يستخدم قنبلته التي تعرض بسببها إلى عقوبات كثيرة، في حين يعتقد أن إيران غير النووية وإسرائيل النووية على وشك الدخول في حرب شاملة.
لقد خاضت دول غير نووية حروباً مع قوة عظمى تملك أسلحة نووية من دون أن يعمد مالك القنبلة إلى استخدام تلك الأسلحة. هكذا قاتلت كل من كوريا الشمالية وفيتنام الشمالية الأميركيين في الماضي، وكذلك تقاوم أوكرانيا اليوم الغزو الروسي. ويتحسر الأوكرانيون على إزالة الرؤوس الحربية، التي بقيت في تسعينيات القرن الماضي من مخلفات الحقبة السوفياتية في أراضيهم، مقابل ضمانات ورقية جاءتهم من الغرب. ومع أنهم يعتقدون أن ذلك أدى إلى خسارتهم القدرة على الردع، فإن كييف لم تكن تسيطر على تلك الرؤوس فعلياً. لكن المهم هو أن الكرملين لم يقصف كييف بسلاح نووي.
وقد اعترف الرئيس بايدن، في الآونة الأخيرة، بمخاوفه من أن يستخدم فلاديمير بوتين الرؤوس الحربية النووية الروسية في العام 2022، عندما كان غزوه لأوكرانيا يسير بشكل سيئ للغاية. وتلقى بوتين من حليفته؛ الصين، ومن الأميركيين تحذيرات من مغبة اللجوء إلى استخدام أسلحة نووية. ولكن تبين أن حيازة هذه الأسلحة ليست ورقة رابحة بالنسبة للمعتدي لأن نظراءه النوويين يريدون الحفاظ على تحريم استخدام القنبلة -حتى ضد الضعفاء.
ليس هناك ما يضمن أن الردع سينجح على الدوام. ولكن لنتأمل مدى ضبط النفس الذي مارسه حتى السفاحون مثل ماو تسي تونغ، والمنظرون المجانين مثل ريتشارد نيكسون أو تلميذه دونالد ترامب، ممن سيطروا في وقت ما على “الرادع النهائي”. لقد أظهرت الحروب الأكثر كارثية وتدميراً منذ العام 1945، من كوريا إلى غزة، كيف يمكن أن تكون الأسلحة “التقليدية” نذير شؤم مروعا بالنسبة للمدنيين.
وإذن، ألا تستحق القنبلة النووية أن نشكرها بشدة؟

10

ديسمبر

القنابل النووية خدمت السلام أكثر من الأسلحة التقليدية


مارك ألموند (مؤلف بريطاني ومحاضر سابق في التاريخ الحديث في كلية أورييل بجامعة أكسفورد):
على الرغم من الأخطار التي تشكلها الأسلحة النووية، أظهرت الحروب كيف يمكن أن تكون الأسلحة التقليدية مدمرة بصورة مروعة للمدنيين، في حين أن السلاح النووي، أو بالأحرى، التهديد باستخدام القدرة النووية، ساعد في كثير من الطرق على ردع التصعيد العسكري، وبالتالي حفظ السلام. ونأمل ألا يتم استخدامه أبداً.


عندما فاز هنري كيسنجر بجائزة نوبل للسلام في العام 1973، أعلن توم ليرر تقاعده لأن عبثية الواقع جعلت المفارقة السوريالية زائدة على حدها.
لذلك، سيرحب الأشخاص من أصحاب النوايا الحسنة بمنح جائزة السلام للعام 2024 للمجموعة اليابانية، نيهون هيدانكيو، التي أسسها الناجون من القنبلتين الذريتين في هيروشيما وناغازاكي في العام 1945، الذين يحذرون من أهوال الحرب النووية ويروجون لنزع السلاح.
ويمكن لنا أن نكون على ثقة بأنهم لن يحذوا حذو بعض السياسيين ممن حصلوا أخيراً على جائزة نوبل للسلام، والذين اعتبروا في كثير من الأحيان أنها أضفت شيئاً من القدسية عليهم وعلى طموحاتهم السياسية، بما في ذلك استخدامهم القوة.
ألا تذكرون الطريقة التي سوغ بها الخطيب المفوه، باراك أوباما، في كلمة ألقاها في أوسلو بعد حصوله على جائزة نوبل، لجوء الولايات المتحدة إلى استخدام القوة بهدف ما وصفه بأنه الدفاع عن قيمها وفرض هذه القيم، قبل قصف ليبيا مباشرة؟
وبالإضافة إلى ذلك، منذ فترة قريبة، أصبح رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، في عداد الحائزين جائزة نوبل للسلام، في حين كانت بلاده الشاسعة والمعقدة على وشك الانزلاق إلى حرب أهلية بين مكوناتها العرقية.
ودعونا نتغاضَ عن ذكر أولئك الذين نالوا الجائزة في الشرق الأوسط.
لقد أزهقت أرواح كثيرة في خضم الحروب "التقليدية" التي خيضت منذ العام 1945، إلى درجة أن هناك عجزاً يثير الشكوك على المستوى الأخلاقي، يتمثل في التركيز على خطر نهاية العالم، التي لم تحدث بعد، بينما تُترك المجازر اليومية لتتواصل كما تشاء.
حتى أن التجربة ما تزال تكذب تحذير ألبرت أينشتاين الشهير (وإن كان شبه الملفق) من أنه إذا تم استعمال أسلحة نووية في حرب عالمية ثالثة، فيمكننا عندئذ أن نكون على ثقة بأن القتال في الحرب الرابعة سيكون بالعصي والحجارة.
عندما اشتبك مقاتلو القوتين النوويتين؛ الهند والصين، في حزيران (يونيو) 2020، على طول حدودهما المتنازع عليها في جبال الهيمالايا، ضبط الجنود أنفسهم إلى حد أنهم لم يستخدموا أي سلاح آخر ضد بعضهما بعضاً سوى الهراوات والحجارة التي تراشقوا بها.
كانت الحاجة إلى تجنب تصعيد للتوتر يفضي إلى استعمال سلاح نووي قد منعت كلاً من بكين ونيودلهي من خوض حرب حدودية مريرة على شاكلة تلك التي دارت بينهما في المناطق القاحلة الجليدية في العام 1962، عندما لم تكن أي منهما تملك القنبلة النووية.
وعلى الجانب الغربي للهند، يظل إحلال السلام في كشمير احتمالاً بعيد المنال، في حين يتلقى الثوار المسلمون الدعم من باكستان التي تملك أسلحة نووية. وقد خاضت الهند وباكستان ثلاث حروب خطرة بين العامين 1947 و1971، عندما لم تكن أي منهما تملك قنبلة نووية، إلا أنهما استطاعتا الاستمرار في احتواء تنافسهما تحت عتبة الحرب النووية منذ أن حاز كلاهما أسلحة نووية بعد العام 1998.
وحتى نظام كوريا الشمالية لم يستخدم قنبلته التي تعرض بسببها إلى عقوبات كثيرة، في حين يعتقد أن إيران غير النووية وإسرائيل النووية على وشك الدخول في حرب شاملة.
لقد خاضت دول غير نووية حروباً مع قوة عظمى تملك أسلحة نووية من دون أن يعمد مالك القنبلة إلى استخدام تلك الأسلحة. هكذا قاتلت كل من كوريا الشمالية وفيتنام الشمالية الأميركيين في الماضي، وكذلك تقاوم أوكرانيا اليوم الغزو الروسي. ويتحسر الأوكرانيون على إزالة الرؤوس الحربية، التي بقيت في تسعينيات القرن الماضي من مخلفات الحقبة السوفياتية في أراضيهم، مقابل ضمانات ورقية جاءتهم من الغرب. ومع أنهم يعتقدون أن ذلك أدى إلى خسارتهم القدرة على الردع، فإن كييف لم تكن تسيطر على تلك الرؤوس فعلياً. لكن المهم هو أن الكرملين لم يقصف كييف بسلاح نووي.
وقد اعترف الرئيس بايدن، في الآونة الأخيرة، بمخاوفه من أن يستخدم فلاديمير بوتين الرؤوس الحربية النووية الروسية في العام 2022، عندما كان غزوه لأوكرانيا يسير بشكل سيئ للغاية. وتلقى بوتين من حليفته؛ الصين، ومن الأميركيين تحذيرات من مغبة اللجوء إلى استخدام أسلحة نووية. ولكن تبين أن حيازة هذه الأسلحة ليست ورقة رابحة بالنسبة للمعتدي لأن نظراءه النوويين يريدون الحفاظ على تحريم استخدام القنبلة -حتى ضد الضعفاء.
ليس هناك ما يضمن أن الردع سينجح على الدوام. ولكن لنتأمل مدى ضبط النفس الذي مارسه حتى السفاحون مثل ماو تسي تونغ، والمنظرون المجانين مثل ريتشارد نيكسون أو تلميذه دونالد ترامب، ممن سيطروا في وقت ما على "الرادع النهائي". لقد أظهرت الحروب الأكثر كارثية وتدميراً منذ العام 1945، من كوريا إلى غزة، كيف يمكن أن تكون الأسلحة "التقليدية" نذير شؤم مروعا بالنسبة للمدنيين.
وإذن، ألا تستحق القنبلة النووية أن نشكرها بشدة؟

Share this post

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


RELATED

Posts